وتؤكد العديد من المقالات في الصحف الشعبية والأكاديمية أن اللوم يقع على التكنولوجيا الرقمية، فيما يذكر بعض الخبراء، أن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا الرقمية مرتبط بشكل واضح بالضيق النفسي لدى الشباب، وفي محاولة لحماية الشباب من أضرار التكنولوجيا الرقمية، أدخل بعض السياسيين تشريعات من شأنها، من بين أمور أخرى، تحديد الوقت الذي يقضيه المستخدمون على منصة التواصل الاجتماعي تلقائيًا إلى 30 دقيقة يوميًا.
لكن ما يغيب عن المناقشة حول الأضرار المفترضة للتكنولوجيا الرقمية هو حقيقة أن جميع الدراسات الأكاديمية في هذا المجال قد استخدمت إجراءات تقرير ذاتي معيبة للغاية، حيث تطلب هذه التدابير عادةً من الأشخاص تقديم أفضل التخمينات حول عدد المرات التي استخدموا فيها التقنيات الرقمية على مدار الأسبوع أو الشهر أو حتى العام الماضي.
وتكمن المشكلة في أن الناس سيئون في تقدير استخدامهم للتكنولوجيا الرقمية، وهناك دليل على أن الأشخاص الذين يعانون من ضائقة نفسية هم أسوأ في ذلك، وهذا أمر مفهوم لأنه من الصعب جدًا الانتباه والتذكر بدقة لشيء تفعله بشكل متكرر ومعتاد.
وبدأ الباحثون مؤخرًا في الكشف عن التناقض بين استخدام التكنولوجيا المبلغ عنها ذاتيًا والفعلي، بما في ذلك استخدام فيس بوك والهواتف الذكية والإنترنت، حيث أجرى بعض الباحثين مراجعة منهجية وتحليل تلوي للتناقضات بين استخدام الوسائط الرقمية الفعلي والمبلغ عنه ذاتيًا ووجدوا أن الاستخدام المبلغ عنه ذاتيًا نادرًا ما يكون انعكاسًا دقيقًا للاستخدام الفعلي، بحسب موقع TNW الهولندى.
وهذا له آثار هائلة، فعلى الرغم من أن القياس ليس موضوعًا مثيرًا، إلا أنه يشكل أساس البحث العلمي، وببساطة، للتوصل إلى استنتاجات - وتوصيات لاحقة - حول شيء ما تدرسه، يجب أن تتأكد من أنك تقيس الشيء الذي تنوي قياسه، وإذا كانت إجراءاتك معيبة، فإن بياناتك غير جديرة بالثقة، وإذا كانت الإجراءات غير دقيقة بالنسبة لبعض الأشخاص - مثل الشباب أو المصابين بالاكتئاب - فإن البيانات غير موثوقة بدرجة أكبر، وهذا هو الحال بالنسبة لغالبية الأبحاث حول تأثيرات استخدام التكنولوجيا على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية.
وفي البحث، تم العثور على أن الرابط بين استخدام التكنولوجيا الرقمية والصحة العقلية كان أقوى عند استخدام مقاييس التقرير الذاتي منه عند استخدام المقاييس الموضوعية، مثال على القياس الموضوعي هو تطبيق "Screen Time" من Apple، والذي يتتبع استخدام الجهاز تلقائيًا، وعندما تم استخدام هذه المقاييس الموضوعية لتتبع استخدام التكنولوجيا الرقمية بين الشباب بمرور الوقت، وجد أن الاستخدام المتزايد لم يكن مرتبطًا بزيادة الاكتئاب والقلق.